الشباب في القرآن الكريم
إن القرآن الكريم وان لم يتناول موضوع الشباب بشكل مباشر إلا انه تناول هذا الموضوع عندما تحدث عن " الفتوة " باعتبارها المضمون الصالح للشباب وكذلك عندما ضرب للشباب أفضل الأمثلة وأجملها في عدد من الأصفياء من الأنبياء الذين اختارهم الله لرسالاته ووحيه والأولياء الذين امتحنهم لعبادته .
فكان المثل الأول هو النبي إبراهيم ( عليه السلام ) فانه كان يتطلع إلى الأفاق الواسعة ، يفتش عن الحقائق الناصعة ويملك الشجاعة العالية فيتأمل ويفكر في ملكوت السماوات والأرض حتى أدلّه الله تعالى على الحقيقة فآمن بالله وتبرأ من الأصنام ومن كل المشركين .
فقال الله تعالى في كتابه الكريم
وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكن من الموقنين ) ( الأنعام 75) . وبهذا يصبح إبراهيم القدوة لكل الفتيان والشباب الشجعان الرافضين للوثنية والشرك والانحراف والضلال .
والمثال الثاني الذي يضربه القرآن الكريم للفتيان والشباب هو النبي يوسف (عليه السلام ) وهو الذي آتاه الله العلم والحكمة عندما بلغ أشده وأصبح الفتى القوي الصابر الصامد أمام عواصف الشهوة والإغراء بالجنس والإغراء بالمال والجاه وأمام ضغوط الاضطهاد والقمع والمطاردة والتهديد بالسجن .. قال الله تعالى
ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين * وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله انه ربي أحسن مثواي انه لا يفلح الظالمون )يوسف (22"23)
والمثال الثالث هو النبي موسى (عليه السلام ) وهو الذي عاش في أحضان البيت الفرعوني وتربى في محيط الطاغوت والجبروت والترف والجاه .فان فرعون قد اتخذه ولداً له .ولكن موسى بقى متمسكاً بجذوره الرسالية ومرتبطاً بأصله الإلهي والرباني يتجنب معونة الظالمين وينتصر للمظلومين ويدافع عنهم , يمد يد العون والمساعدة للضعفاء والمحتاجين وكان يتحمل الآلام والمعاناة والمطاردة والهجرة من اجل ذلك .. قال الله عز وجل
ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين )
(القصص 14)
المثال الرابع هم أهل الكهف فقال الله تعالى فيهم
نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى * وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططا ) (الكهف 13-14)
إن هذه الصور والأمثلة الواقعية الجميلة والمعبرة عن الأبعاد المختلفة تنطلق من مفهوم صحيح للفتوة والقوة وهو التوحيد في العبودية ورفض العبوديات الأخرى والسيطرة على الشهوات والرغبات ونصرة المظلومين والدفاع عنهم ومساعدة الضعفاء والمحتاجين والتمرد على الواقع الفاسد ورفضه بشجاعة وتضحية وقد ورد توضيح هذا المفهوم للفتوة والشباب ومضمونها الحقيقي عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) عن الإمام علي (عليه السلام ):" ما تزين الإنسان بزينة أجمل من الفتوة "
وفي مقابل ذلك نجد القرآن الكريم يضرب أمثلة أخرى للشباب المنحرف والتائه والمغرور والضال والجاهل وأورد ذلك في قصة نوح حيث قال تعالى
... ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بُني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين )(هود 42-43)
ومثال آخر يتحدث عنه القرآن الكريم يعبر عن حالة الانحراف في الشباب : عقوق الوالدين والتمرد على الله تعالى والتوغل في الجهل والغي .
فقال الله تعالى
والذي قال لوالديه أفٍ لكما أتعدانني أن اخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين )(الأحقاف ،17) ولذلك يكون الولد الفاسد عدواً لأبويه وضرراً عليهما ويكون الولد الشاب الصالح قرة عين لأبويه في الدنيا والآخرة وامتداداً للمسيرة الصالحة .